هل يستطيع الجسد شفاء نفسه ذاتيا؟
كتب: أشرف البوني
باحث ومحاضر و مدرب تنميه ذاتيه ممارس للتنويم بالإيحاء
تمهيد
تبدأ قصة الجسد داخل المنزل المقدس بداخل رحم الأم، كل شيء هنا يُجهز لك، الغذاء والماء واللعب والنمو والهدوء والتسليم، كل شيء يحدث في انسجام تام، وتناغم لا مثيل له؛ حتى تخرج إلى الحياة، روح أتت من عالم البرزخ تختبر الحياة عبر هذا الجسد، هنا تتوحد الروح النورانية مع الجسد المادي، هذه المعجزة هي أنت! أنت روح قبل أن تُصبح جسدًا، الروح سبقت الجسد بكثير، فحقيقتك هي روحك التي هي بداخل جسدك، كثير من البشر عاشوا وماتوا ولم يدركوا أنهم ليسوا أجسادهم ولا عقولهم، ظنوا أن الأدوات لها السيادة.
سل نفسك: الحرفي أهم أم أدواته؟ الأدوات بدون الحرفى لا شيء، لا قيمة، والحرفي الماهر يعلم أهميه الاهتمام بالأدوات وصيانتها باستمرار. فإن لم يهتم؛ ستتلف الأدوات، وستعيقه عن تأدية عمله في الحياة، ولكن الحرفي بإمكانه شراء أدوات أخرى، لكن الإنسان لا يمكنه شراء جسد أو عقل. كان من المهم أن أذكر ذلك المثال؛ حتى نضبط المعادلة، فالإنسان روح، وهذه الروح لها جسد وعقل، إذن روح + جسد + عقل = إنسان.
في أعماق التاريخ كان «هرمس» مثلث العظمة يتحدث عن القوى الخفية، أي: عالم الروح، والتي شكلت الواقع المادي، فقال حينها لتلاميذه: كل شيء مرئي هو نتاج لشيء غير مرئي، ثم أتت الأديان تتحدث عن نفس الفكرة، إن كل شيء مادي هو نتاج لشيء غير مادي، وكل الشرائع ظلت تتحدث عن تلك الفكرة، أن العالم الروحي هو العالم الذي يخرج منه العالم المادي، فكل فكرة تبدأ في العالم اللامرئي، ثم تتحول إلى العامل المرئي، حتى بداية العلوم المادية الحديثة، في بداية العلم المادي، كانت الكنيسة هي المتحكمة في كل شيء؛ فقرر العلماء حينها، وقالوا: لن نتدخل في مجالكم الروحي الخفي هذا. نحن سنبحث فقط ي الأشياء المادية المحسوسة، وعندما استطاع نيوتن توقع حركة الكواكب بدراسة الخصائص المادية فقط، حينها صرح العلماء، وبكل ثقة، بما أن نيوتن استطاع أن يفهم عمل الكون بطريقة مادية، دون الحاجة للأشياء الخفية، فلا حاجه لنا إلى دراستها، سنكتفي فقط بدراسة المادة فقط، لكن في عام 1925 اندمجت فيزياء نيوتن مع فيزياء أكبر تُدعى الفيزياء الكمية، اكتشفت الفيزياء الكمية أن الكون مصنوع من الطاقة، وليست المادة، ثم تسأل العلماء ما هي الطاقة التي يتحدث عنها علماء الفيزياء الكمية، والتي يتكون منها الكون؟ فقالوا هي تسمى (المجال)، وما تعريف المجال؟ المجال هو قوى متحركة خفية تؤثر في العالم المادي، قوى خفية؟ كيف تكون قوى خفية؟
شدد علماء الفيزياء الكمية على وجود مجال خفي متحرك، وهو الأساس الأولي للعالم المادي. وللتوضيح، فإن الكرسي الذي تجلس عليه الآن، أو الكتاب الذي تمسكه، أو أي شيء أمامك، هو شيء مادي ملموس، ولكن هو على المستوى الدقيق، المستوى «الكونتى»، هو مكون من حزم من الطاقة. وبهذا عاد العلم المادي إلى الحقيقة القديمة التي قالها هرمس، والتي أصبحت في سياقها العلمى الذي يقول إن كل الكون هو على تواصل ببعضه البعض، فجميع خلايا جسدك على المستوى «دون الذري» هي متصلة مع كل خلايا الكون، تؤثر في الكون، وتتأثر بالكون أيضًا، جيمعنا في نظام واحد متكامل، فكما أن خلايا أجسادنا تكونه، فإننا بالمثل خلايا صغيرة في جسد الكون، صنع الله الذي أتقن كل شيء.
المحورالأول: الجسد تحت المجهر
«لماذا تُريد أن تفتح الباب الخارجي عندما يكون هناك باب داخلي؟ كل شيء في الداخل»سات غوروسيفا
يقول الدكتور «بروس ليبتون»، وهو عالم بيولوجيا، ومؤلف كتاب التطور العضوي، وكتاب بيولوجيا المعتقد، إن العلم الحديث اكتشف أن عقلنا الواعي المبدع يتحكم ويدير حياتنا بنسبة 5% كحد أقصى في معظم الوقت، وهذا يعني أن العقل اللاواعى يتحكم ويدير حياتنا بمقدار 95%، هذا، وكما عرفنا في البوابة الأولى، بوابة العقل، أن العقل اللاواعي يتحكم في قيادة الجسم، وبشكل لا إرادي: فالرئة والقلب، وكل أعضاء الجسد، تعمل بصورة شبه آلية تحت سيطرة العقل اللاواعي.
ولهذا يسأل الدكتور «ليبتون» من أين نحصل على برنامج صحي للاوعي؛ كي نستخدمه؟ علمًا بأن العقل اللاواعي تتم برمجته بطرق كثيرة جدًا، وبه كم مهول من المعتقدات والقناعات والأفكار التي من الممكن، وبشكل أساسى أن لا تكون جيدة لإدارة أجسادنا بالصورة المثالية، فجسد الإنسان يتكون من أكثر من 50 تريليون خلية تقريبًا تعيش كمجتمع واحد، والعقل هنُا يمثل الحكومة التي تحكم ذلك المجتمع، فإذا عملت الحكومة بشكل متناغم مع أعضاء المجتمع، سيُصبح المجتمع مجتمعًا صحيًا وينمو ويزدهر، ولكن عندما لا تكون الحكومه داعمة، ولا تعمل بتناغم مع المجتمع؛ فقد تتسبب الحكومة في انهيار طبيعة ذلك المجتمع، وفي بعض الاحيان تقضي على الجميع.
إذن التناغم هنا يعني إعطاء الجسد الطعام المناسب والجيد، والطعام نقصد به الطعام الجسدي والعقلي أيضًا. يروي الدكتور «بروس»، ويقول: أخذت خلية مصابة بمرض من جسد أحد المرضى، ووضعتها في بيئة جيدة ومناسبة للحياة، وتركتها لفترة من الزمن، ثم رجعت؛ واكتشفت أن الخليهة أصبحت سليمة، وقد عالجت نفسها ذاتيًا، ثم تساءلت: من المتحكم في بيئة الخلية في الجسد؟ إنها الحكومة، إنها العقل الذي يتحكم في تلك البيئة، فإن الدماغ يُطلق كيمياء تطابق الأفكار، فعندما أكون متوترًا وخائفًا، هذا يجعل العقل يُطلق مواد كيميائية مختلفة في الدم، فتؤثر في بيئة الخلية، وكذلك عندما أقع في الحب، يطلق عقلي أنواعًا أخرى من الكيمياء؛ فتؤثر أيضًا في بيئة الخلية، فالمواد الكيميائية التي تنطلق من الحب، تدعم النمو والشفاء في الجسد، وتدعم نظام المناعة، وفي المقابل عندما نواجه الخوف، ونطلق هرمونات التوتر إلى أجسادنا نحن، نُغلق آليه النمو، ونظام المناعة للحفاظ على الطاقة، فالخائف من أسد مثلًا يحتفظ بالطاقة، ويغلق آلية النمو، ونظام المناعة؛ كى يضخ تلك الطاقة إلى الأطراف؛ للمساعدة في الجري، وهذا غالبًا ما يحدث في الحالات الدفاعية في السلوك البشري، هذا الحبس للطاقة يُنتج خللًا في الجسد، ويؤثر على الجهاز المناعي، ولهذا، فإذا كان التوتر شيئًا مستمرًا مع الإنسان، فإن الجسد يستمر في ضخ المواد الكيميائية السيئة للجسد؛ مما يسبب المشاكل والأمراض، ولهذا فإن أساس الحياة هو أن يكون الإنسان في حالة شعورية سعيدة، والتعايش المتناغم مع البيئة هو الأساس من الناحية البيولوجية، ولهذا ليس من المحتمل الاستمرار في العيش بالخوف والتوتر والغضب، أو كل تلك الأفكار السلبية؛ لأنها ببساطة تسبب الأمراض، ولك أن تتخيل في عصرنا هذا كم التوتر الذي تجده في الشوارع، والغضب والسلبية، والتي ينتج عنها ملايين من المرضى بصورة أو بأخرى. ولك أن تتخيل كم المعتقدات السلبية التي تبرمجنا عليها منذ طفولتنا إلى الآن.
عمل الدكتور بروس ليبتون بحثًا آخر ذكره في كتابه، قام فيه بوضع خلية في بيئة بها غذاء، ووضع خلية أخرى في بيئة بها سم، وبعد مرور الوقت لاحظ أن الخلية الأولى تتغذى وتنمو، بينما الأخرى تتراجع بعيدًا عن السم، متخذة وضع حماية، ومن هنا استنتج أن مجموع خلايا الجسد، إما أن تكون فى وضع نمو، أو في وضع الحماية، ولا يمكن أن تكون الخلايا في الوضعين معًا، إما أن تنمو، أو أن تحمي نفسها، هذا ينطبق على مجموع خلايا جسد الإنسان المكون من أكثر من 50 تريليون خلية، وهذا يعني أن الطفل الذي يحظى بالحب؛ سوف ينمو، والطفل الذي لا يحظى بالحب؛ سيتعثر نموه. وهناك آلية في الجسد تدعم هذه الفكرة تُدعى «المحور الوطائى النخامي الكظري»، الوطائي هو جزء في المخ، وهو الذي ينقي الإشارات، حيث تأتي الإشارات من البيئة المحيطة وترتبط بالمخ، يقول العقل: هل هي إشارات إيجابية أم سلبية؟ إذا كانت الإشارة سلبية، فما سيحدث هو الضغط، سيقوم بتفعيل الغدة النخامية، والتي تدعى الغدة الرئيسة، والغدة النخامية هي التي تتحكم في شكل الجسد، وآلية عمله، وكما قلنا سابقًا: هناك شكلان: إما النمو، أو الحماية، إما القوة أو الضعف، في حالة الإشارات السلبية فالضغط يقوم بتفعيل الغدة النخامية؛ لتدخل في حالة القتال أو الهرب.
لدى الإنسان منطقتان في جسده هامتان، باستثناء الرأس، هناك الأطراف، والتي تختص بالدفاع في الحالات الدفاعية، ومنطقة المنتصف، أي المعدة والأحشاء، والتي تختص بالنمو؛ ولهذا فإنه في حالات التوتر أو الخوف أو الغضب، يتم عصر الأحشاء، وتعطيل جهاز المناعة والنمو، ويتم ضخ تلك الطاقة إلى الأطراف التي تحتاجها للجري أو الدفاع عن النفس.
ومن هنا نستنتج أن نظام الغدة الكظرية هو لحمايتك من تلك الأخطار التى تهددك في البيئة من حولك، مثل الوحوش والأعداء… إلخ، بينما نظام المناعة يحميك من الأشياء التي تدخل تحت بشرتك، مثل الفيروسات والعدوى، ولهذا عندما ترتفع هرمونات الغدة الكظرية يتوقف نظام المناعة تمامًًا؛ لأن الدم كله، والطاقة جميعها تذهب إلى الأطراف للحماية، وهذا يعُني أنك عندما تكون تحت ضغط، فأنت لا توقف نموك فقط، بل توقف نظام المناعة لديك تمامًا.
ولهذا نجد الطلاب في الامتحانات، عندما يكونون تحت ضغط، يشعرون بالمرض؛ لأن جهاز المناعة متوقف، وهم عرضة في هذه الحالي للأمراض، ليس هذا وحسب، بل تحت الضغط نكون أقل ذكاء؛ لأن الدم لا يغذى الجانب الأمامى من الدماغ المسؤول عن التفكير، بل يغذى الجانب الخلفي من الدماغ، والمسؤول عن الدفاع، والمسؤول عن ردة الفعل، ولهذا نكون أقل ذكاء تحت الضغط.
الخلاصة
إن إدراكك ووعيك يتدخل بين بيئتك، وبين جسدك؛ لأن الإدراك والوعي يعتبر مرشحًا للأفكار التي يتعامل معها الجسد، فإن كانت الأفكار إيجابيه تعزز الحياة والنمو، وإن كانت سلبية تجعلنا عرضة أكثر للأمراض؛ ومن هنا أتت أهميه الأفكار والمعتقدات الموجودة في العقل اللاواعي، وأيضًا في البيئة المحيطة بك من الأسره والأصدقاء والمجتمع، فجيمعها مؤثرة بشكل مباشر في صحتك أو مرضك. وهناك كثير من الأبحاث التي تؤكد أنه حتى العوامل الوراثية لا تتحكم بشكل كلي في مرضك؛ فقد تم اكتشاف أن خلايا مرض السرطان مثلًا 95% ليس له صلة وراثية، 5% فقط من الحالات تكون عن الوراثة، وغالبًا تظهر في الصغر، وأما إذا ظهر في الكبر؛ فهو نتيجة لأفكارك ومعتقداتك، ونتيجة للبيئة المحيطة بلا شك، فالبيئة المحيطة والمعتقدات تعمل على تفعيل تلك الجينات الوراثية للظهور والتعبير عن نفسها، فقد أثبت العلم أن المعتقد بإمكانه تفعيل جين السرطان أو تفعيل جين الحكمة؛ لأن نظامك العصبي يرى إدراكك للبيئة ويفسره؛ فينتقل هذا الإدراك عبر جهازك العصبي؛ ليصل إلى الخلايا، فتستجيب الخلايا على حسب محتوى الإشاره الواصلة لها، فإن كانت إشارة سلبية تعمل عليها، وإن كانت إيجابية تعمل عليها أيضًا.
كل ما ذكرته فى هذا الباب كان لأجل شيء واحد فقط، وهو أن تصل إلى نقطة الفهم الصحيح، وأن تقتنع بشكل عملي، وبالشواهد العلمية أنك المسؤول عن نفسك، وعن قراراتك، وعن اختياراتك. ولهذا فمن الآن يجب أن تتبنى الفكرة التي تقول إنك المسئول عن كل شيء يحدث، إن تحملك المسئوليه هو أول اليقظة، كن يقظًا وتحمل مسئولية نفسك.
يتبع
نقلا عن ساسة بوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق