مقال في رمضان مع رياض بن خنو: الحلقة 2: " إمارة شفشاون و طموح الإطاحة
بمملكة فاس"
بنى مدينته و دار سلطانه وعين الشيخ علي بن عسكر(1) قاضيا للجماعة
والشيخ علي بن ميمون(2) كاتبا له و أحاط نقسه بمجموعة من الفقهاء و المستشارين(3)
. جعل لإمارته علما و جهز جيشا (4) و بسط سيطرته على جبال خارج أسوار المدينة.
هكذا استتب ملك الأمير علي بن راشد و ازدهرت مدينته بصناعها و
تجارها(5) واغتنت بجبايات القبائل التابعة لها و بما أغدق جهاد البرتغاليين من
غنائم عليها ، فعظمت شوكة الإمارة و امتنعت عن دفع الضرائب للدولة الوطاسية (6) ،
كما ازدادت أطماع الأمير بالتوجه إلى فاس والإطاحة بمملكة بني وطاس. فما كان للسلطان
محمد الشيخ إلا أن يحرك جيشه صوب شفشاون للقضاء على ثورة الأميرعلي بن راشد سنة
901ه / 1495م و إعادة المنطقة إلى أحضان دولته. ومن أجل تحقيق ذلك، عمد إلى طلب
عون الجيش البرتغالي بسبتة و ترك ابنه الوزير يحيى رهينة عندهم تحرر شريطة القضاء
على الإمارة الراشدية و الالتزام بتنفيذ العهود المبرمة
.
مع اقتراب جيش التحالف الوطاسي البرتغالي إلى المدينة، فضل الأمير
علي بن راشد عدم الخروج للمواجهة، واختار الاعتصام بجبل في منطقة قريبة. ثم وصل
الجيش السلطاني واقتحم شفشاون الخالية من أميرها و سكانها و قام بتخريبها و إحراقها.
وبغية فض النزاع و حل الخلاف، توسط شرفاء المنطقة بينه وبين السلطان، فعفى عنه
الأخير و أمره بالانتقال إلى فاس ليخضع للإقامة الإجبارية، حسب ما ذكر في مؤلف
عروسة المسائل فيما لبني وطاس من الفضائل. ثم أعاد السلطان الأمير علي بن راشد إلى
شفشاون و عينه واليا عليها و على أحوازها. و استمر في حكم إمارة شفشاون الجديدة
التابعة للدولة الوطاسية سنوات عدة إلى أن وافته المنية سنة 917ه/ 1511 ميلادية (7) .
وفي هذه الأبيات يسرد لنا الشيخ محمد الكراسي وقائع الأحداث (8) :
"و ثار في شفشاون وصالا ذاك الشريف العادم المثالا
دعا لنفسه و جاء الطمع أن يدخل الحضرة أو يطلع
على بلاد مغربنا سلطانا خاف و خاب رأيه ما كانا
تحركت لداره الجنود فاس و مكناس لهم بنود
حتى إلى سبتة كرها قدما ولده يحيى الوزير المكرما
وبقي السلطان في محلته و رحل الوزير في حميته
نزل في شفشاون تحت الديار وظهر الغلب باخراب القرار
..خلا داره و مرفقه و أحرق الدار فصارت محرقة
فانحصر ابن راشد في الجبل بالانقطاع و تمام الحيل
فطلع السادات للشريف لاموه عما كان من تحريف
دخل في الطاعة و الجماعة و تبعت شفشاون بالطاعة
وجاء بعد ذلك ابن راشد لدار مولانا الكبير الماجد
قابله بالصفح و الإرضاء عما جناه في الخلاف...."
فور وفاة الأمير علي بن راشد أخذ بزمام حكم الإمارة ولداه إبراهيم
فمحمد حتى سقوطها على يد السعديين ، بعد قرابة نصف قرن(9) من الزمان عاشت فيه
البلاد مجموعة من المتغيرات و الأحداث.
يتبع..
يتبع..
رياض بنخنو.
المصادر و المراجع
(1)والد الشيخ محمد بن عسكر صاحب كتاب دوحة الناشر
(2) لمحات تاريخية عن مدينة شفشاون، مجلة دعوة الحق، العدد 177
(3) عبد القادر العافية، الحياة السياسية و الاجتماعية و الفكرية
بشفشاون و أحوازها خلال القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي ،مطبعة فضالة ،
المحمدية ،1982، ص: 88.
(4)مرمول كربخال، وصف أفريقيا،ترجمة عن الفرنسية،الجزء الثاني،
الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة و النشر،مطابع المعارف الجديدة،1989.
(5)لحسن الوزان، وصف أفريقيا، ترجمة عن الفرنسية، الجزء الأول، ،
الطبعة الثانية، دار الغرب الاسلامي، 1983، ص.331.
(6)الحسن الوزان، وصف...،ص: 331
(7)عبد القادر العافية، الحياة السياسية ..، ص: 92.
(8) محمد الكراسي، عروسة المسائل فيما لبني وطاس من فضائل،
المطبعة الملكية، الرباط، ص: 17-18.
(9)عبد القادرالعافية، الحياة السياسية...، ص 120.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق